محاكَاة المؤمنِ استهزاء

من معاصي البدن التي هي الكبائر مُحاكَاة[1] المؤمنِ أي تَقليده في قَولٍ أو فِعل أو إشَارة على وجه الاستهزاء والسخرية به، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،ﱠ[2] أي لا يستَهزئ غنيٌّ بفقير ولا مستورٌ عليه ذَنْبُه بمن لم يُسْتَر عليه ولا ذو حسَب بلئيم الحسَب وأشباهَ ذلك مما ينتقصه به، عسَى أن يكون عند الله خيرًا منه والقومُ اسمٌ للرّجال دون النِساء ولذلك قال: (وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ)، وتَلمِزوا بمعنى تَعِيْبُوا، المعنى لا تعيبُوا إخوانَكمُ من المسلمين لأنّهم كأنفُسِكُم(وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ)، أي لا تتَداعَوا بها والألقابُ جَمْعُ لقَبٍ وهو اسمٌ يُدعَى به الإنسَانُ سِوَى الاسم الذي سُمّيَ به. وللمفسّرين في المراد بهذه الألقاب أربعةُ أقوال أحَدُها تَعْيِيْر التائب بسَيّئاتٍ قد كان عمِلَها، والثاني: تسمِيَتُه بعد إسلامه بدِينهِ قبلَ الإسلام كقولهِ لليَهُوديّ إذا أسْلَم يا يهوديُّ [3] وهذان القَولان مَرْويّان عن ابن عباس رضي الله عنهما. والثالث: أنه تسميَتُه بالأعمال السيئة كقوله يا زاني يا سارق يا فاسق والرابع: قول الرجل للرجل: يا كافر يا منافق، وهو مروي عن عكرمة. قال أهلُ العِلم والمرادُ بهذه الألقاب ما يكرَهُه المنادَي به أو يُعَدُّ ذمًّا له فأمّا الألقابُ التي تُكسِبُ حَمْدًا وتكونُ صِدقًا فلا تُكرَهُ كما قيل لأبي بكر رضي الله عنه عَتِيْقٌ ولعمرَ فاروقٌ ولعثمانَ ذو النّورينِ ولعليّ أبو تُرابٍ ولخالدٍ سيفُ الله ونحو ذلك (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) أي تسمِيَتُه فاسقًا أو كافرًا وقد ءامن. وقالَ بعضُ المفَسّرين في قوله تعالى (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ)، مَنْ لقَّبَ أخاه وسَخِرَ به فهو فاسِقٌ. وقد تَكونُ المُحاكاةُ بالضّحِك على كلامهِ إذا تخبَّط فيه وغلِطَ أو على صَنْعَتِه وقُبْحِ صُورَتِه أو على مَشيِه إن كان به عرَجٌ فتقليده في ذلك لإضحاك الناسِ عليه حرام.

[1]   في مختار الصحاح ح ك ى : حكى عنه الكلام يحكي حكاية و حكا يحكو لغة وحكى فعله و حاكاه إذا فعل مثل فعله والمحاكة المشاكلة يقال فلان يحكي الشمس حسنا ويحاكيها بمعنى.

[2] [الحجرات: ١١]

[3] هذه الكلمة إن أراد بها تكفيره كفر وإن كان يفهم منها يا من كنت يهوديا لا يكفر.