تأويل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا

قال الله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ). أصل الاستحياء الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفاً من مواقعة القبيح، وهذا محال على الله تعالى. لأنَّ الله تعالى لا يوصف بصفات الخلق قال الإمام الجليل أبو جعفر الطحاوي السلفي ومن وصف الله بصفة من صفات البشر فقد كفر. وكذلك في حديث حياء النبيّ مع أصحابه قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقّ)، والله لا يستحي من الحق أي لا يمتنع من بيانه وإظهاره. ولما كان ذلك يقع من البشر لعلة الاستحياء نفي عن الله تعالى العلة الموجبة لذلك في البشر. وفي الصحيح عنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ! إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ فَهَلْ على المرأة مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ" فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ: "تَرِبَتْ يَدَاكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا" معناه أنَّ الله لا يأمرُ عباده بالحياء بالحق أي لا ينبغي لهم أن يحجموا عن بيان الحق حياء من الناس فهو حياءٌ مذموم هنا، أما تأويل قوله: " فَمَا فَوْقَهَا " فما هو أعظم منها والبعوضة من أضعف خلق الله، فإذْ كانت أضعف خلق الله فهي نهايةٌ في القلة والضعف. ومع ذلك جعل الله فيها من الدقة في الخلق والاعضاء ما يدهش. و"البعوضة" حشرة صغيرة مهينة، يُضرَب بها المثل في الحقارة والصغر. والمعنى: لو كان المثل حقيرًا كالبعوضة والذي فوق البعوضة، أي: أكبر منها كالذباب والعنكبوت ونحوه. والحياء لا ينبغي أن يمنَعكَ عن قول الحق، ولا عن التَحدث بالحق والمطالبة به، فالحياءُ الذي يَمنعُ عن قول الحق هذا مزموم، والحياء الذي يمنع من طلب علم الدين مذموم أيضاً ويمنع صاحبه من الترقي في العلوم والفقه فلا يمنعكَ الحياء أن تسألَ عما أوجبَ الله علينا من الفرائض، وأن تستفسرَ عمّا أشكلَ عليك في أمور دينكَ ودنياك، فالحياء المطلوب الحياءُ من الرذائل ونواقص الأخلاق، أما السؤال عن الحق والدعوة إلى الحق ونشر الهدى ودعوة الناسِ فإنَّ هذا خير، ولا ينبغي أن يكونَ الحياءُ صارفاً عن هذه الأمور الطيبة وعن طلبِ علم الدين فلقد وصف نبينا صلوات الله وسلامه عليه بشدة الحياء إلى أن وصفه بعض أصحابه فقال: كان رسول الله أشد حياءً من العذراء في خدرها معناهُ كان في أمور الحياة ومراعاة شعور الغير على شدة حياء فلا يطلب من أمور الدنيا بل يعرض بقوله فيعرف من معه أنه يريد كذا، والعذراء في الخدر معناه العرب عادتهم البنت يكون لها موضع في البيت تكون فيه لا تخرج أمام الضيوف حياء وهذا النبيُّ صلى الله عليه وسلم الذي وصف أنه في الحياء كالعذراء في الخدر قام لنصرة الدين وإعلان الحق وحارب الباطل وجاهد بيده ولسانه ولم يخشى في الله لومة لائم فجزاهُ الله عنّا خيرَ الجزاء، نسألُ الله تعالى أنَّ يَجمّلنا بالحياءِ والعفةِ ويبعدَنا عن عاداتِ الأرذال وأفعال الشُرار.وقوله تعالى:( يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)، معناه القرآن بعض الناس يفهمه على غير معناه فيضل كالذي يفهم من اية الاستواء الجلوس يتوهم فيفهم الكفر ويضل هكذا فسروه هو القران لا عيب فيه إنما العيب في فهم الذي ضلَّ مثل الذي يكون فيه عمى لا يرى ضوءَ الشمس لكنْ الشمسُ منيرة ومثله من أعمى الله قلبه لو قرأ القرآن لا يهتدى إلا أنّ هداهُ الله اليس بعض المفسدين ينشرون فساداً ويدعون أنهم فهموه من القرآن؟ بلى. وقوله تعالى:( وما يُضلّ به إلا الفاسقين)، الفسق في عُرفِ الاستعمال الشرعي: الخروج من طاعة الله عز وجل، وقد يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان. كقوله تعالى:( قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)، ﴿٢٥ المائدة﴾ وكقوله تعالى:( وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ ۖ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)، ﴿١٠٢ الأعراف﴾